الاثنين، 9 فبراير 2015

درس مطالعة: (موتُ خديجة وانتحارُ الأنا المفرد)، محمّد بدوي حجازي، 2014-2015






  أستاذة العربيّة: فوزيّة الشّطّي    درس مطالعة: قصّة قصيرة  

موتُ خديجة وانتحارُ الأنا المفرد محمّد بدوي حجازي معهد المنتزه 2023-2024  

v مَوْتُ خدِيجةَ وانْتِحارُ الأنَا المُفرَد (قصّة قصيرة) v

حينما حَـمل أحدُ المنشوراتِ نبأَ موتِ (خديجة) اِتّشحتْ ساحةُ (الفيْس بوك) بالسَّواد. أخذ أصدقاؤُها وصديقاتُـها يتبارَوْن في نشْرِ الخبر وَهُمْ يواسُون بعضَهم البعضَ ويذكُرون محاسنَ الفقيدة ويدعون لها بالرّحمةِ والمغْفرة.

قالوا أنّ موتَـها كان مُفاجِئا. فلقد كانتْ تنعمُ بالحياةِ حتّى الجمعةِ الماضية. ولم أستطعْ إلاّ أن أتجاوبَ مع فيضانِ الحزن الّذي طغَى على ساحةِ المشاركات. فنشرتُ مشاركةً أترحّمُ فيها على الفقيدةِ تجاوَبَ معها الكثيرون. الشّابُّ الّذي يُحبّها كان أكثرَنا حزنًا، فنشر عدّةَ قصائد تفيضُ بالألم والشّجن مِـمّا زاد في بؤسِي وانقباضي. وبدأتُ أبحث عن وسيلةٍ لتكذيبِ الخبر رغم تصديقِي له. ولم يكنْ أمامي سوى (سميرة) فخاطبتها قائلا : 

-  هل تأكّدتُـمْ مِن صحّةِ الخبر؟؟ 

جرتْ بها أصابعِي على الشّاشةِ الباردة أمامي. ثمّ ضغطتُ على زرِّ الإرسال بتشنّجٍ لأدفعَ بالعبارة على الخاصِّ إلى (سميرة). أتاني الرّدُّ متوشِّحا بالسّوادِ كما هو مُتخيَّلٌ في مثلِ هذه الأحوال، يقول:

-  نعم. لقد ماتتْ منذ أكثرَ مِن أسبوع. لاحظنا أنْ لاَ منشورات، لا تعليقات، لا إعجابات..! 

اِرتسم ذلك الرّدُّ الـمُتيقّن على الشّاشةِأمامي مؤكِّدا موتَ الفتاة. ولكنَّ شكِّي القديمَ دفعني لأتساءلَ مرّةً أخرى. فضغطتُ على الزّرّ لأقول: 

-  وهل هذا دليل ٌكافٍ؟! 

-  وماذا تريدُ أكثر مِن ذلك؟! نعم. لقد ماتتْ (خديجةُ)..! 

-  أقصدُ...

دفعتُ بتلك الكلمةِ عبر الأثيرِ إلى وجهتِها دون أن أجدَ ما أُكملُها به ليأتيَـني ردُّ الفتاة يفيضُ باللّوعةِ والشّجن كما خُيِّل لي قائلةً:

-  وهل ينتابُكَ شكٌّ بعد كلِّ ما قلتُ لك؟! فَلْنَتحلَّ بالإيمانِ ونَتقبّلِ الأمر. إنّا لله وإنّا إليه راجعون. اِرجعْ إلى صفحتِها، وسترى أنّها قد ماتتْ منذ أسبوعٍ دون أن يلاحظَ أحدٌ ذلك. اِرجعْ إلى منشوراتِـها، وستُلاحظ أنّها كانتْ تنعمُ بالصّحةِ والعافية ككلِّ الأحياء. عشرون مشاركةً في اليوم ومئاتُ التّعليقات والإعجابات. لم تكنْ تشكُو مِن شيءٍ. كان موتُها فجائيا... آهٍ يا قلبي..! 

قالتْها الفتاةُ وهي تنخرطُ في البكاء كما هو متخيَّل.

تركتُها تمسح دموعَها الـمُفترَضة. وعدتُ أُراجعُ المحادثةَ والتّبلّدُ يحيطُ بي مِنْ كلّ جانب. هل ما تقوله (سميرةُ) حقيقيّا؟ هل ماتتْ (خديجةُ) حقّا؟ هل سكّانُ (الفيس بوك) يَـموتون؟ وكيف يحدثُ ذلك؟! ولماذا يبدُو لي الأمرُ غيرَ مفهوم؟! لماذا تحيطُه الضّبابيّةُ؟! وما الّذي يدعونِـي لتصديق (سميرة) ومَن معها مِنَ الأحياء؟! بل مَن هي (سميرة)؟ مَن تكون؟! هل هي (سميرة) حقّا؟ وكيف السّبيلُ للتّحقّقِ مِن ذلك؟! ربّما كانتْ شيئا آخر. ربّـما هي (سعاد) أو (زينب)، ربّـما كانتْ (أحمد) أو (جاد الرّبّ). بل ما الّذي يَـمنعُ أن يكونَ مَن يتواصل معي على (الفيس) طوال هذه السّنوات كائن ٌ مِن الفضاء الخارجيّ يُسمِّي نفسَه (سميرة)..! 

فجأةً أحسستُ الرّعبَ يتملّكني. فلقد تجلّتْ أمامي المأساةُ في أبرزِ صُورها. ما هذه الحياةُ الّتي نعيشُ؟! مِن أين جاءتْ؟! وإلاَمَ تنتهي؟! ما هو أصلُها؟ ومَن يقفُ وراءها؟ لماذا تبدو ضبابيّةً ومُراوِغةً؟! لماذا تـخلُو مِن يقينٍ؟! وما الّذي يـُجْبرني على تحمُّلِ هذا العبثِ الّذي يُسمَّى حياةً؟! بل كيف تَـحمّلتُه طوالَ السّنواتِ الماضية مِن عمري دون أن أُصاب بالـجنون؟!

ظلّتْ هذه الأسئلةُ ومثيلاتُها تضغطُ على عقلي طوالَ اليومِ وأنا أُصارعُ أمواجَ الشّكّ تارةً وتَصرعُني أمواجُ اليقين تارةً أخرى. وفي المساءِ كنتُ قد اتّخذتُ قرارِيَ الشّجاعَ بعد دهرٍ مِنَ الشّكِّ والألـمِ والإحساسِ العظيمِ بالإثْـم. فعدتُ أُجْرِي أصابعي على لوحةِ المفاتيح لأخاطبَ (سميرة) بقولي:

-  سأغادرُ (الفيس بوك)، سأذهبُ إلى غيرِ رِجعة..! 

وهتفتِ الفتاةُ والألـمُ يَـخنقُ حروفَها كما هو مُفترَض: 

-  حرام، حرام. الحياةُ نِعمةٌ، ولا يجوز تبدِيدُها. إنّه الكفرُ..! 

قرأتُ ردَّها دون تأثّرٍ. ثمّ صفَّفتُ حروفي على الشّاشةِ الباردة قائلاً:

-  شَكِّي يَقتلنِـي..!

-  اِستغفرِ اللهَ يا حبيبي. أين عهودُنا؟ أين وعودُنا؟ بل أين إيـمانُك؟ اِلْعَنِ الشّيطانَ، إنّه عدوُّنا منذ القِدم..!

-  ليس لِلشّيطانِ دخلٌ في الأمر. لقد سئمتُ الحياةَ، وعذّبني الشّكُّ، لا أستطيعُ مواصلتَها. اُدعُوا لي بالرّحمة.

سنلتقِي في العالمِ الآخرِ. وداعًا..!

قلتُها وأنا أتحوّلُ نحو مربّعِ حذْفِ الحساب. وبضغطةٍ على 'الماوس' صعدتْ روحِي إلى بارئِها.  

v محمّد بدوي حجازي، الخرطوم، السّودان فبراير 2014م v mbhigazi.blogspot.com

أجبْ كتابيّا عنِ المحاور التّالية:

-      اِستخرجْ شخصيّاتِ القصّة، وعرّفْها، وبيّنْ العلاقاتِ الرّابطةَ بينها.

-      أقامَ الكاتبُ مُشابَـهةً بين العالَـمِ الحقيقيّ والعالَـمِ الافتراضيّ. بَيِّنْ ذلك.

-      هلْ عِشتَ تـجاربَ مُـماثلةً لِـما عرضَه هذا النّصُّ؟ ألَكَ 'هُوِيّةٌ افتراضيّةٌ' مختلفةٌ عن حقيقتِك؟ اُسردْ ذلكَ.

-      أتُؤمِنُ بإنسانيّةِ العلاقاتِ الافتراضيّة؟ علِّلْ موقفَك.

vv

عمَــــلا موفّــــقا


المحاورةُ مع الكاتب حولَ نصّه
Faouzia Chatti: 20 déc. 2014 
مساء الخير أستاذ حجازي. أنوي، بعد إذنك طبعا، أن أدرّس أقصوصتك "موت خديجة وانتحار الأنا المفرد" لتلاميذي في مادّة المطالعة. لذا أرجو أن تمدّني بتعريف أدقّ لشخصك (كم كتبا نشرت؟ ما هو تخصّصك الأدبيّ؟ أين تنشر؟...). وأودّ أن تمدّني بما كنتَ تودّ التّعبير عنه من خلال هذه الأقصوصة حتّى تساعدنا على تحليل معانيها بعمق أكبر. ثمّ إنّي وجدتُ بعض الاختلاف في عنوانها: (موت الأنا أو موت الأنا المفرد). فما هو العنوان الأصحّ؟ مع الشّكر سلفا. دمتَ مبدعا.
مساء الخير الأستاذة الكريمة Faouzia Chatti شكري واحترامي. بالتّأكيد يشرّفني جدّا اهتمامُك الجميل بالقصّة ويسعدني الرّدّ على استفساراتك بخصوصها رغم صعوبة الرّدّ على: (وأودّ أن تمدّني بما كنت تودّ التّعبير عنه) - فرغم قناعتي بأنّ الكتابة فعلٌ واع ٍ ومقصود، وبالتّالي هنالك (ما يُودّ التّعبيرُ عنه) أو حقيقة النّصّ الّتي من المفترض أن يكون الكاتبُ أدرى النّاس بها، فإنّ سؤالك فاجأني.
سأحاول أن أعكس لك حقيقة النّصّ كما أردتُه، وهي الحقيقة النّاتجة عن الوعي والقصد المفترضيْن. بالتّأكيد هذه الحقيقة قد يحدث لها بعضُ التّشويش حين القراءة إمّا لعوامل تخصّ القارئَ نفسه والّتي قد تعيد إنتاج النّصّ لحظةَ قراءته بصورة مغايرة أو لضعف أدوات الكاتب. ومن هنا تبرز أهميّة سؤالك الجميل الّذي سأجيب عنه مع بقيّة الأسئلة. لك التّحيّة. دمت ِ بخير.
عنوانُ القصّة (موتُ خديجة وانتحارُ الأنا المفرد). والأنا هنا هو الرّاوي المشارك أيضًا في صنعِ الحدث، ومن المفترض أنّه يعلم كلّ شيء عمّا يرويه. ولكن في حالتنا هذه وللطّبيعة المغايرة للعالم الّذي تدور فيه أحداثُ القصّة فإنّ الرّاوي يجهل الكثيرَ عن حقيقة ما يرويه، وذلك نابع من شكّه في حقيقية الحياة الّتي يعيشها في ذلك العالم الافتراضي، ذلك الشّكّ النّابع من أواصر لا زالت تربطه بالحياة القديمة وطبيعة العلاقات داخلها.  والرّؤية الموضوعيّة الّتي تؤكّدها القصّةُ هي انعدامُ اليقين والقلقُ والشّكُّ الّتي تحكم حياتنا على مواقع التّواصل الاجتماعيّ مؤكِّدة على هُلاميّة تلك الحياة وخداعها في جانب العلاقات الإنسانيّة. كما أنّ القصّة في أحد أبعادها تجريبٌ شكليّ حول الكتابة عن عالم افتراضيّ وانعكاس ذلك على طريقة السّرد. فمثلا:
"قالتها الفتاة وهي تنخرط في البكاء (كما هو متخيّل)".
"تركتها تمسح دموعها (المفترضة)".
الكلمات بين الأقواس لم يكنْ لها مكان قديمًا في النّصّ. فالرّاوي قديمًا يستعمل كلّ حواسّه في تبيّن حقيقة ما يحدث حوله ويعكسه لنا بكلّ يقين، يرى ويشمّ ويسمع وقد يلمس ويتذوّق والحدثُ أمامه بكلّ أبعاده ويتحاور مع الشّخصيّات شفاهة ووجها لوجه. فتأتي عباراته متيقّنةً وقاطعة في أغلب الأحوال تدعمها الحواسُّ مجتمِعة أو أغلبها. أمّا هنا فإن الحواسّ معطّلة، فقط هما عينان تحدّقان في شاشة باردة وأصابع تضغط على لوحة المفاتيح. فيعتمد الرّاوي على خبراته السّابقة في العالم الحقيقيّ ليعكس لنا (المفترَض) حدوثُه في مثل هذه الأحوال من مشاعر إنسانيّة ترافق أحداثا معيّنة أو عبارات معيّنة كالسّعادة أو الحزن. ولكنّها تأتي باردة مشكوكا في حقيقة حدوثها. فهذه الحياةُ الجديدة في جانبها الإنسانيّ تبدو ككائن طفيليّ يمتصّ بعضا من حياتنا الحقيقيّة القديمة ويعيش عليه. فعلى الرّغم من أنّ تلك الحياة الجديدة تستمدّ قاموسها من حياتنا القديمة فإنّ مفردات ذلك القاموس يتمّ تحويرها بدرجة مّا لتبتعد قليلا ً أو كثيرًا عن معناها الحقيقيّ لتؤدّي ذات دورها في اتّجاه آخر يعتمد مقاييس جديدة، ممّا يعني إفراغها من محتواها الحقيقيّ الواقعيّ لتتغذّى بها الحياة الجديدة وتفتقر الحياة القديمة بتمييع دلالة الكلمات والألفاظ والعبارات. فمثلاً: (نعم. لقد ماتتْ منذ أكثر من أسبوع. لاحظنا أنْ لا منشورات، لا تعليقات، لا إعجابات).
معنَى الحياة نفسُه يتبدّل، يصبح الدّليلُ على الصّحة والعافية والحيويّة عددَ المشاركات والتّعليقات والإعجاب. كلّه دليل على أنّ الشّخص بخير لا يشكو من شيء وسيكون موتُه مفاجئا، إنْ حدَثَ، يستوجب التّحسّرَ على شبابه وحسنِ صحّته وعافيته. والموتُ نفسه قد يعني انقطاعَ الشّخص عن (الفيس) أو حذف حسابه وليس الموتَ الحقيقيّ الّذي نعرف. وكلا الاحتمالين قائم بذات الدّرجة من القوّة ممّا يعني الشّكّ في حقيقة ما حدث لـ(خديجة) وإفراغ كلمة الموت من معناها الحقيقيّ الرّاسخ مع الاحتفاظ بذات الدّلالة للكلمة. فالنتيجة واحدة، وهي غياب (خديجة). لقد رحلتْ، ولكن "إلى أين" لا يهمّ. فقط غابتْ عن حياتنا. وهذا الغياب هو ذات ما لجأ إليه الرّاوي حالَ الشّكّ في جدوى تلك الحياة مستعيرا دلالةَ الانتحار من حياتنا الحقيقيّة  بحذف حسابه لتصعد روحُه المفترضة إلى بارئها.
والملاحظ أنّ الانتحارَ نفسَه (بمعنى حذف الحساب) يتمّ تجريمه بمقاييس دينيّة راسخة في حياتنا الحقيقيّة تُجرّم ذلك الفعلَ وتُسنده إلى الشّيطان وتُبشّر فاعلَه بالجحيم. بل الرّاوي نفسه رغم انحيازه إلى الحياة الطبيعيّة القديمة لم يصلْ إلى يقين حول عدم حقيقةِ ما يعيشه مِن حياة جديدة حتّى لحظاتِه الأخيرة حين اتّخذ قرارَ المغادرة أو الغياب. إذ يفاجئه الألمُ والشّعور بالإثم مثله مثل المنتحر في الحياة القديمة.
هذه الحياةُ الجديدة المخادِعة الّتي بدأت تتسلّل بكلّ تفاصيلها الغريبة واللاّمعقولة لتحلّ محلّ حياتنا القديمة الّتي عرفنها وألفناها. بل أخذتْ تسرق بعضَ تفاصيلها وتشوّهها وتحلّ محلها تقوم على الإيحاء وانطلاق الخيال بما يتمنّى أكثر من اعتمادها على واقع ماديّ محسوس. فنحن الّذين نصنعها لأسباب ذاتيّة وموضوعيّة في ذات الآن، إنّها دليلٌ على  قصور تعاني منه في الواقع تستنفره وتستمدّ منه قوّتها معتمدةً على الخيال. فالحياةُ الجديدة تقوم على الكثير من الخيال والأماني المجهَضة والأحلام الّتي لا سبيل لتحقيقها في الواقع أو حتّى رغباتنا الّتي نخجل من قولها. الأسماء الرّمزيّة الّتي نتعامل بها مع الآخرين نفسها تُعطي صورة للمقابل تتطابق في مخيّلتنا والاسمَ الافتراضيَّ. وهي الأساس لتصوّرنا للآخر المقابل وصفاته مِن تديّن وتقوى أو جمال أو رومانسيّة، وتشحذ خيالنا تجاهه. فيقوم بتصديقه وتضخيمه. والصّورُ الشّخصيّة الرّمزيّة أيضا تبدو مُوحية بعالم جديد قد لا يطابق حقيقةَ الشّخصيّة، بمعنى أنّنا نعيش في الوهم الجميل الّذي نتوقُ أن يصبح جزءا من حياتنا الواقعيّة. كما أنّها توفّر لنا مساحة من الحرّيّة تنقصنا، ولكنّها تسرقنا من حياتنا وتبتعد بنا عن الواقع بدرجات مختلفة. وكلُّ ذلك يمكن توفيرُه في حياتنا الحقيقيّة بقليل من الجهد والصّدق والشّجاعة في مواجهة أنفسنا والآخر والتّصالح مع الحياة. وهذا ما سيظهر لاحقًا في (سلمى حوريّة البحر الزّرقاء) الّتي تمّ فيها التّصالح بين الحياتين بإضافة إيجابيّة تنقص حياتَنا القديمة الّتي هي الأصل، في نهاية مفاجئة للقصّة تكشف جمالَ الوهم وسطوةَ الخيال، وجمالَ الواقع أيضا بعد إعادة اكتشافه وتصحيحه.
كل الشّكر الأستاذة Faouzia Chatti 
21 déc. 2014Faouzia Chatti 
شكرا جزيلا. وصلت الإنارة المفيدة. سأعمل على الاستفادة منها قدر الإمكان. دمتَ مبدعا.
صباح الخير الأستاذة الكريمة. طبعا السّاعة عندنا في السّودان الثّانية والنّصف صباحا.  كان من المفترض أن تكون الواحدة والنّصف صباحا حسب علم الجغرافيا إلا أنّ حكومتنا تضبط ساعتها على (مكّة) المكرّمة ربّما على سبيل التّبرّك.شكرا على اهتمامك بالنّصّ.
الإجابة قد تستغرق بضع صفحات لذا اخترتُ أن أبعثها لك في مشاركة خاصّة.
عنوانُها (موتُ خديجة وانتحارُ الأنا المفرد). فرغتُ من كتابتها ونشرتُها في المدوّنة يومَ 17 فبراير 2014م.
النّصوص الموجودة في المدوّنة هي الأصل دائما. قد يحدث أحيانا أن أقوم بحذف بعض الفقرات من قصّة أو قصيدة حين إعادة نشرها على (قوقل بلس) أو (الفيس) لأسباب عدّة من ضمنها خوفُ الإطالة.
كان اسمها قبل النّشر (موتُ خديجة وانتحار الراوي). ولسبب لا أدريه لم استلطفْ كلمة الرّاوي فاستبدلتها بـ(الأنا المفرد). لتحمل ذاتَ الدلالة وتدعمَ الجانب الشّكليّ التّجريبيّ حول الكتابة عن حياة (الفيس بوك) أو الحياة الإلكترونيّة في جانب العلاقات الإنسانيّة.
والأنا هنا هو الرّاوي (الرّاوي العليم) كما هو مفترض في القصّة قديما. راوٍ ومشارك أيضا في صُنع الحدث. ومن المفترض، في الأحوال العاديّة، أنّ الرّاوي يعلم يقينا كلّ شيء عمّا يرويه، بل قد يخبرنا حتّى بما يدور في ذهن أبطال قصّته. ولكن في حالتنا هذه وللطّبيعة الخاصّة للعالم الّذي تدور فيه أحداثُ القصّة فإنّ الرّاوي يجهل الكثير عن حقيقة ما يرويه أو على الأقلّ مشوّش أو ("يشوفه طشاش، طشاش") كما نقول باللّهجة السّودانيّة، يراه غيرَ واضح المعالم. وذلك نابع من شكّه في حقيقية الحياة الّتي يعيشها في ذلك العالم الافتراضيّ. ذلك الشّكّ النّابع من أواصر لا زالت تربطه بالحياة الحقيقيّة وعلاقاتها الإنسانيّة الدّافئة الحميمة. وهذا يدعم ذاتَ الرّؤية الموضوعيّة الّتي تريد أن تؤكّدها القصّةُ حول انعدام اليقين والقلق والشّكّ الّتي تحكم حياة (الفيس بوك) وبقيّة المواقع الإلكترونيّة أو الحياة الجديدة والتي تؤكد هُلاميّة ذلك العالم أو تلك الحياة في جانب العلاقات الإنسانيّة.
ومن هنا فإنّ القصّة في أحد أبعادها، كما أسلفتُ، تجريبٌ شكليّ حول الكتابة عن عالم افتراضيّ ومتطلبات ذلك شكلا وانعكاسه على طريقة السّرد. فمثلا:
ليأتيني ردُّ الفتاة يفيض باللّوعة والشّجن (كما خُيّل لي).
قالتها الفتاة وهي تنخرط في البكاء (كما هو متخيّل).
تركتها تمسح دموعها (المفترضة).
وهتفت الفتاةُ والألم يخنق حروفها (كما هو مفترض)... إلخ.
الكلماتُ بين الأقواس لم يكن لها مكانٌ قديما في القصّ والحكي. فالراوي قديما يستعمل كلَّ حواسّه في تبيّن حقيقة ما يحدث حوله ويعكسه لنا بكلّ يقين، يرى ويشمّ ويسمع وقد يلمس ويتذوّق، والحدثُ أمامه بكلّ أبعاده ويتحاور مع الشّخصيات شفاهةً ووجها لوجه. فتأتي عباراته متيقّنةً وقاطعة في أغلب الأحوال تدعمها الحواسُّ مجتمعة أو أغلبها. أمّا هنا فهذه الحواسُّ معطّلة، عينان تحدّقان في شاشة باردة وأصابعُ تضغط على لوحة المفاتيح. فيعتمد الرّاوي على خبراته السّابقة في العالم الحقيقيّ أو حياته القديمة ليعكس لنا (المفترَض) حدوثُه في مثل هذه الأحوال من مشاعر إنسانيّة ترافق أحداثا معيّنة أو عبارات معيّنة كالسّعادة أو الحزن، الضّحك أو البكاء. ولكنّها تأتي باردة مفتعَلة مشكوك حتّى في حقيقة حدوثها. فهذه الحياةُ الجديدة في جانبها الإنسانيّ تبدو ككائن طفيليّ يمتصّ بعضًا من حياتنا الحقيقيّة القديمة ويعيش عليه (بصورة فيها الكثير من التّجنّي والزّيف). وهي طفيليّة اعتماديّة، تكون نهايتها ضعفَ العائل ومرضه، ومن ثمّ موته وتضخّم الكائن الطفيليّ وسرعة نموّه، ومن ثمّ موته بالضّرورة بموت العائل.
غدا أواصل. لك الشّكر الجزيل. دمتِ بخير.
محمد بدوي حجازي: نهارك سعيد. على الرّغم من أنّ تلك الحياةَ الجديدة تستمدُّ قاموسها من حياتنا الحقيقية وتعتمد عليه فإنّ مفردات ذلك القاموس يتمّ تحويرها بدرجة مّا لتبتعد قليلا أو كثيرا عن معناها الحقيقيّ ولتؤدّي ذاتَ دورها في اتّجاه آخر يعتمد مقاييس جديدة. وهذا يعني إفراغها من محتواها الحقيقيّ الواقعيّ لتتغذّى بها الحياة الجديدة وتفتقر الحياة القديمة بتمييع دلالة الكلمات والألفاظ والعبارات. فمثلاً:
- نعم. لقد ماتت منذ أكثر من أسبوع. لاحظنا أنْ لا منشورات، لا تعليقات، لا إعجابات..!
ارتسم ذلك الرّدّ المتيقّن على الشّاشة أمامي مؤكّدا موتَ الفتاة. ولكنَّ شكّي القديم دفعني لأتساءل مرةً أخرى فضغطتُّ على الزّرّ لأقول: 
-  وهل هذا دليلٌ كافٍ؟!
إنّ ما يجعل الرّاوي غير متوافق مع الاتّجاه السّائد هو (شكُّه القديم)، بقيّةٌ من حياته الحقيقيّة لازالت عالقة في ذهنه تعتمد مقاييسَه القديمة في تبين حقيقة الأشياء. فيأتيه الرّدُّ:
(وهل ينتابكَ شكّ بعد كلّ ما قلتُ لك؟! فلنتحلَّ بالإيمان ونتقبّل الأمر. إنّا لله وإنّا إليه راجعون. ارجع إلى صفحتها وسترى أنّها قد ماتت منذ أسبوع دون أن يلاحظ أحدٌ ذلك. ارجع إلى منشوراتها وستلاحظ أنّها كانت تنعم بالصّحّة والعافية ككلّ الأحياء. عشرون مشاركة في اليوم ومئات التّعليقات والإعجابات، لم تكنْ تشكو من شيء. كان موتها فجائيّا... آهٍ يا قلبي).
معنى الحياة نفسُه يتبدّل. فيصبح الدّليل على الصّحة والعافية والحيويّة عددَ المشاركات والتّعليقات والإعجاب. كلّه دليل على أنّ الشّخص بخير لا يشكو من شيء. وسيكون موتُه مفاجِئا، إنْ حدث، يستوجب التّحسّرَ على شبابه وحسن صحّته وعافيته كما يحدث في الحياة القديمة. والموتُ نفسه قد يعني انقطاعَ الشّخص عن (الفيس) أو حذف حسابه وليس الموتَ الحقيقيّ الّذي نعرفُ. وكلا الاحتمالين قائم بذات الدّرجة من القوّة، ممّا يعني الشّكّ في حقيقة ما حدث لـ(خديجة) وإفراغ كلمة الموت من معناها الحقيقيّ الرّاسخ مع الاحتفاظ بذات الدّلالة للكلمة. فالنتيجة واحدة، وهي غيابُ (خديجة). لقد رحلتْ، ولكن "إلى أين": لا يهمّ فقط غابت عن حياتنا الجديدة ممّا يعني الموت. وهذا الغياب هو ذات ما لجأ إليه الرّاوي حالَ الشّكّ في جدوى تلك الحياة الجديدة مستعيرا دلالةَ الانتحار من حياتنا الحقيقيّة بحذف حسابه لتصعد روحُه المفترضة إلى بارئها. والملاحظ أنّ الانتحار نفسه (بمعنى حذف الحساب) يتمّ تجريمه بمقاييس دينيّة راسخة في حياتنا الحقيقيّة تجرّم ذلك الفعلَ وتسنده إلى الشّيطان وتبشّر فاعله بالجحيم. بل الرّاوي نفسه رغم شكّه القديم فإنّه لم يصل إلى يقينٍ حول عدم حقيقيّة ما يعيشه من حياة جديدة حتّى لحظاته الأخيرة حين اتّخذ قرار المغادرة أو الغياب. إذ يفاجئه الألمُ والشّعور بالإثم مثله مثل المنتحر في الحياة القديمة. يقول :
(وفي المساء كنتُ قد اتّخذت قراري الشّجاع بعد دهرٍ من الشّكّ والألم والإحساس العظيم بالإثم).
هذه الحياةُ الجديدة الّتي بدأتْ تتسلّل بكلّ تفاصيلها الغريبة واللاّمعقولة لتحلّ محلّ حياتنا القديمة الحقيقيّة الّتي عرفنها وألفناها، بل أخذتْ تسرق بعض تفاصيلها وتحلّ محلّها وتقوم على الإيحاء وانطلاق الخيال بما يتمنّى أكثر من اعتمادها على واقع ماديّ متيقّن من وجوده. فنحن الّذين نصنعها لأسباب ذاتيّة وموضوعيّة في ذات الآن. إنّها دليل على قصور نُعاني منه في الواقع. فتستنفره، وتستمدّ منه قوّتها معتمدة على الخيال. فالحياةُ الجديدة تقوم على الكثير من الخيال والأماني المجهضة والأحلام الّتي لا سبيل لتحقيقها في الواقع أو حتّى رغباتنا التي نخجل من قولها. الأسماء الرّمزيّة الّتي نسجّل بها دخولنا ونتعامل بها مع الآخرين نفسها تصوّر لنا كونًا آخر وتعطي صورة للمقابل تتطابق في مخيّلتنا والاسم غالبًا والّذي ليس بالضّرورة أن تكون دلالته حقيقيّة. ولكنّها هي الأساس لتصوّرنا للآخر المقابل من تقوى أو جمال أو رومانسيّة إلخ... وتشحذ خيالنا تجاهه. فيقوم بتصديقه وتضخيمه والتّعامل معه كحقيقة. والصّور الشّخصيّة الرّمزيّة أيضا تبدو موحية بعالم ٍجديد قد لا يطابق حقيقةَ الشّخصيّة، بمعنى أنّنا نعيش في الوهم الجميل الّذي نتوق أن يصبح جزءا من حياتنا الواقعيّة. كما أنّها توفّر لنا مساحة من الحرّيّة تنقصنا ولكنّها تسرقنا من حياتنا وتبتعد بنا عن الواقع بدرجاتٍ مختلفة. وكلّ ذلك يمكن توفيرُه في حياتنا الحقيقيّة بقليل من الجهد والصّدق والشّجاعة في مواجهة أنفسنا والآخر والتّصالح مع الحياة. وهذا ما سيظهر لاحقا في (سلمى حوريّة البحر الزّرقاء) الّتي تمّ فيها التّصالح بين الحياتين بإضافة إيجابيّة تنقص حياتنا الحقيقيّة الّتي هي الأصل في نهايةٍ مفاجِئة للقصّة تكشف جمالَ الوهم وسطوة الخيال وجمال الواقع أيضا بعد إعادة اكتشافه.
أتمنّى أن يكون ما جاء بتوضيحي مفيدا مع ملاحظة أنّ النّصَّ مفتوح لقراءات أخرى. أكرّر شكري واحترامي لك. عنّي ليس هناك الكثير: محمد بدوي حجازي: خرّيج كلية القانون جامعة الخرطوم 1999م، أعملُ محاميا،  كتبتُ الشّعر في فترة شبابي الباكر. بعدها تحوّلتُ إلى التّجريب في كتابة الرّواية وأظنّ أنّ عودي اشتدّ فيها بعد العام 2000م. لديّ 5 روايات فازت إحداها بجائزة الطّيّب صالح للإبداع الروائيّ عام 2006م، مركز عبد الكريم ميرغني الثّقافيّ بالسودان، اسمها (بابُ الحياة). وهي الرّواية الوحيدة الّتي نُشرت. تولّى  المركزُ نشرها في العام 2007م. بعدها بدأتُ أكتب في القصّة القصيرة. نشرتُ بعض القصص والأشعار في الصّحف اليوميّة السّودانيّة. أخيرا لجأتُ إلى النّشر الإلكترونيّ.
لك التّحايا الأستاذة Faouzia Chatti المشاركة بعاليه كتبتُ جزءا منها يوم أمس وأكملتها اليوم ممّا يستوجب إعادة قراءتها مرّة أخرى إن كنتِ فعلت ِ يوم أمس، بسبب الإضافة.  كما أنّني قمتُ باختصارها قدر الممكن ونشرتها في تعليق على العامّ. شكري وتقديري لاهتمامك الّذي أسعدني كثيرا. فقليلون جدّا هم من يهتمّون بما يُكتب وينشر. اهتمامك له طعم آخر بسبب ابداعاتك الجميلة ومواقفك النّضاليّة الواضحة وضلوعك في اللّغة ، كلّ ذلك تشهد لك به منشوراتك المميّزة.  كوني بخير.
 Faouzia Chatti: 2014.12.30
مساء النّور أستاذ محمد بدوي حجازي. جزيل الشّكر على أجوبتك الشّاملة المتبسّطة الدّالة على وعي عميق بفعل الكتابة. لقد استفدتُ كثيرا بتحليلك لنصّك. وحتما سأُفيد به تلاميذي "معترفة" لهم جهارا نهارا بدورك الحقيقيّ في درس المطالعة القادم. هي المرّة الأولى الّتي أختار فيها نصّا من "النّات". فهنا المدرّس مجبَر على الالتزام بقائمة رسميّة لكتب المطالعة ضُبِطت منذ عقود كثيرة. وقد نقدتُ ذلك في الصّحافة سنةَ 2009. ولكن لا حياةَ لمن تنادي. عندي غاياتٌ محدّدة من تدريس هذا النّصّ: أوّلا: دعوةُ التّلاميذ إلى استكشاف ما تعجّ به النّات من إبداعات عديدة متنوّعة، ثانيا: التّكريسُ العمليّ لمبدإ حقّ المدرّس في اختيار ما يراه صالحا لمادّة المطالعة من نصوص، ثالثا: مناقشةُ العلاقات الافتراضيّة (بما في ذلك التّحذيرُ السّريع من عصابات التّجنيدُ إلى "الجهاد" عبر النّات)... قد يستنبط التّلاميذُ غايات أخرى. سأعلمك بمدى نجاح الدّرس. مع خالص التّحيّة والامتنان. دمتَ بخير.

vv

ليست هناك تعليقات: